تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 348 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 348

348 : تفسير الصفحة رقم 348 من القرآن الكريم

** مَا اتّخَذَ اللّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لّذَهَبَ كُلّ إِلَـَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ
ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة, فقال تعال: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} أي لو قدر تعدد الاَلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود, والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} ثم لكان كل منهم يطلب قهر الاَخر وخلافه, فيعلو بعضهم على بعض والمتكلمون ذكروا هذا المعنى, وعبروا عنه بدليل التمانع, وهو أنه لو فرض صانعان فصاعداً فأراد واحد تحريك جسم والاَخر أراد سكونه, فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين, والواجب لا يكون عاجزاً ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد, وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد, فيكون محالاً فأما إن حصل مراد أحدهما دون الاَخر, كان الغالب هو الواجب والاَخر المغلوب ممكناً, لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهوراً, ولهذا قال تعالى: {ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} أي عما يقول)الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علواً كبيراً {عالم الغيب والشهادة} أي يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما يشاهدونه {فتعالى عما يشركون} اي تقدس وتنزه وتعالى وعز وجل عما يقول الظالمون والجاحدون.

** قُل رّبّ إِمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ * رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَإِنّا عَلَىَ أَن نّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ * ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ
يقول تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم {رب إما تريني ما يوعدون} أي إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذلك, فلا تجعلني فيهم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه «وإذا أردت بقوم فتنة فتوفّني إليك غير مفتون». وقوله تعالى: {وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون} اي لو شئنا لأريناك ما نحل بهم من النقم والبلاء والمحن. ثم قال تعالى مرشداً له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس وهو الإحسان إلى من يسيء إليه, ليستجلب خاطره فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة, فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} وهذا كما قال في الاَية الأخرى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبرو} الاَية, اي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة أو الصفة {إلا الذين صبرو} اي على أذى الناس فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم القبيح {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي في الدنيا والاَخرة.
وقوله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} أمره الله أن يستعيذ من الشياطين لأنهم لا تنفع معهم الحيل ولا ينقادون بالمعروف, وقد قدمنا عند الاستعاذة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه». وقوله تعالى: {وأعوذ بك رب أن يحضرون} أي في شيء من أمري, ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور وذلك لطرد الشيطان عند الأكل والجماع والذبح وغير ذلك من الأمور, ولهذا روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهرم, وأعوذ بك الهدم ومن الغرق, وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت» وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد, أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عد جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن عند النوم من الفزع: «باسم الله, أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده, ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» قال فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ومن كان منهم صغيراً لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه. ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محمد بن إسحاق. وقال الترمذي: حسن غريب.

** حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّيَ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى, وقيلهم عند ذلك وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته, ولهذا قال: {رب ارجعون لعلي أعمل صاحلاً فيما تركت كل} كما قال تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ـ إلى قوله ـ والله خبير بما تعملون} وقال تعالى {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ـ إلى قوله ـ مالكم من زوال} وقال تعالى: {يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل} وقال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاًإنا موقنون} وقال تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ـ إلى قوله ـ وإنهم لكاذبون} وقال تعالى: {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} وقال تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} والاَية بعدها. وقال تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند الاحتضار ويوم النشور ووقت العرض على الجبار, وحين يعرضون على النار وهم في غمرات عذاب الجحيم.
وقوله ههنا: {كلا إنها كلمة هو قائله} كلا حرف ردع وزجر, أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه. وقوله تعالى: {إنها كلمة هو قائله} قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أي لابد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم, ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله كلا, أي لأنها كلمة, أي سؤاله الرجوع ليعمل صالحاً هو كلام منه وقول لا عمل معه, ولو رد لما عمل صالحاً ولكان يكذب في مقالته هذه, كما قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} قال قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة, ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات, ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل, فرحم الله امرءاً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار.
وقال محمد بن كعب القرظي {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} قال: فيقول الجبار: {كلا إنها كلمة هو قائله} وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة: إذا قال الكافر رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً, يقول الله تعالى: كلا كذبت. وقال قتادة في قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت} قال: كان العلاء بن زياد يقول: لينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه فأقاله, فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى إلا أن يرجع فيعمل بطاعة الله, فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها, ولا قوة إلا بالله, وعن محمد بن كعب القرظي نحوه. وقال محمد بن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن يوسف, حدثنا فضيل ـ يعني ابن عياض ـ عن ليث عن طلحة بن مصرف, عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: إذا وضع ـ يعني الكافر ـ في قبره فيرى مقعده من النار, قال: فيقول: رب ارجعون أتوب وأعمل صالحاً, قال: فيقال قد عمرت ما كنت معمراً, قال: فيضيق عليه قبره ويلتئم, فهو كالمنهوش ينام ويفزع, تهوي إليه هوام الأرض وحياتها وعقاربها.
وقال أيضاً: حدثنا أبي, حدثنا عمر بن علي, حدثني سلمة بن تمام, حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور تدخل عليهم في قبورهم حيات سود أو دهم, حية عند رأسه وحية عند رجليه يقرصانه حتى يلتقيا في وسطه, فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}. وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى: {ومن ورائهم} يعني أمامهم. وقال مجاهد: البرزخ الحاجز ما بين الدنيا والاَخرة. وقال محمد بن كعب: البرزخ ما بين الدنيا والاَخرة, ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الاَخرة يجازون بأعمالهم. وقال أبو صخر: البرزخ المقابر لا هم في الدنيا ولا هم في الاَخرة, فهم مقيمون إلى يوم يبعثون, وفي قوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ} تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ, كما قال تعالى: {من ورائهم جهنم} وقال تعالى: {ومن ورائه عذاب غليظ}. وقوله تعالى: {إلى يوم يبعثون} أي يستمر به العذاب إلى يوم البعث, كما جاء في الحديث «فلا يزال معذباً فيها» أي في الأرض.

** فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ
يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور, وقام الناس من القبور {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} أي لا تنفع الأنساب يومئذ ولا يرني والد لولده ولا يلوي عليه, قال الله تعالى: {ولا يسأل حميم حميماً يبصرونهم} أي لايسأل القريب عن قريبه وهو يبصره ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره, وهو كان أعز الناس عليه في الدنيا ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة, قال الله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه} الاَية, وقال ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاَخرين, ثم نادى مناد: ألا من كان له مظلمة فليجىء فليأخذ حقه ـ قال فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيراً, ومصداق ذلك في كتاب الله قال الله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} رواه ابن أبي حاتم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبد الله بن أبي رافع عن المسور ـ هو ابن مخرمة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني, يغيظني ما يغيظها, وينشطني ما ينشطها, وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري» وهذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاطمة بضعة مني, يريبني ما يريبها, ويؤذيني ما آذاها».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: «ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ؟ بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والاَخرة, وإني أيها الناس فرط لكم إذا جئتم» قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان, فأقول لهم: أما النسب فقد عرفت ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى» وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من طرق متعددة عنه رضي الله عنه أنه لما تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: أما والله ما بي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» رواه الطبراني والبزار والهيثم بن كليب والبيهقي, والحافظ الضياء في المختارة وذكر أنه أصدقها أربعين ألفاً إعظاماً وإكراماً رضي الله عنه, فقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي القاسم البغوي: حدثنا سليمان بن عمر بن الأقطع, حدثنا إبراهيم بن عبد السلام عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري» وروي فيها من طريق عمار بن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً «سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد منهم إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك» ومن حديث عمار بن سيف عن إسماعيل عن عبد الله بن عمرو.
وقوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} أي من رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة, قاله ابن عباس, {فأولئك هم المفلحون} أي الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة, وقال ابن عباس: أولئك الذين فازوا بما طلبوا, ونجوا من شر ما منه هربوا {ومن خفت موازينه} أي ثقلت سيئاته على حسناته {فأولئك الذين خسروا أنفسهم} أي خابوا وهلكوا وفازوا بالصفقة الخاسرة. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث, حدثنا داود بن المحبر, حدثنا صالح المري عن ثابت البناني وجعفر بن زيد ومنصور بن زاذان عن أنس بن مالك يرفعه قال: إن لله ملكاً موكلاً بالميزان, فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان, فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمعه الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً, وإن خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً, إسناده ضيعف فإن داود بن المحبر ضعيف متروك, ولهذا قال تعالى: {في جهنم خالدون} أي ما كثون فيها دائمون مقيمون فلا يظعنون {تلفح وجوههم النار} كما قال تعالى: {وتغشى وجوههم النار} وقال تعالى: {لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم} الاَية.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن أبي سنان ضرار بن مرة عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جهنم لما سيق لها أهلها تلقاهم لهبها, ثم تلفحهم لفحة فلم يبق لهم لحم إلا سقط على العرقوب» وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى القزاز, حدثنا الخضر بن علي بن يونس القطان, حدثنا عمر بن أبي الحارث بن الخضر القطان, حدثنا سعيد بن سعيد المقبري عن أخيه عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: {تلفح وجوههم النار} قال: تلفحهم لفحة تسيل لحومهم على أعقابهم.
وقوله تعالى: {وهم فيها كالحون} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني عابسون. وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود {وهم فيها كالحون} قال: ألم تر إلى الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه. وقال الإمام أحمد أخبرنا علي بن إسحاق أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك رحمه الله, أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{وهم فيها كالحون} ـ قال ـ تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه, وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته» ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به, وقال: حسن غريب.